كتب: كريم حسين
مع بداية ظهور فيروس كورونا في مدينة ووهان الصينية قبيل انتهاء العام الماضي، سارعت العديد من الدول إلى اجراء العديد من التدابير الاحترازية في محاولة منهم لصد تأثيرات الفيروس على الجانب الصحي للمواطنين، إلا أن ما وصفته منظمة الصحة العالمية لاحقًا بجائحة كورونا كانت لها تأثيرات أخرى على خارطة العالم السياسية.
كورونا الذي أودى بحياة أكثر من 541 ألف شخص وإصابة أكثر من 11مليون ونصف المليون عالميًا _حتى كتابة تلك السطور_ لم يلق بظلاله على الحياة الصحية لسكان العالم فقط، بل امتدت تأثيراته إلى القطاع الاقتصادي الذي شهد حالة ركود غير مسبوقة منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، وتأثيرات سياسية (وإن كانت خالية من الحروب إلا أنها أنتجت توترات لم يشهدها العالم منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية) يتوقع العديد من الخبراء أنها ستلقي على خريطة العالم السياسي "المضطرب" العديد من التغيرات خلال الأعوام المقبلة.
الاتحاد الأوروبي يحتضر في زمن فيروس كورونا
مع أول اختبار صحي له منذ نشأته هدد فيروس كورونا "كوفيد_19" استقرار الاتحاد الأوروبي واستمرار بقائه خلال السنوات المقبلة بعدما تسببت العديد من القرارات السياسية نتيجة تأثيرات الجائحة على كبرى دول الاتحاد الأقوى عالميا، والتي ولدت العديد من الشكوك حول استمرارية التكتل الأوروبي، خاصة في حال تطبيق اتفاق "البركسيت" وخروج بريطانيا من الكتلة الأوروبية.
"حالة حرب" بتلك الكلمات وجدت العديد من الدول الأوروبية ستارًا لها في مصادرة المساعدات الطبية الخاصة بشقيقاتها في الاتحاد، كما حدث في جمهورية التشيك بمصادرتها شحنة من المساعدات الطبية والأقنعة الواقية قادمة من الصين إلى إيطاليا، وبسؤالها أفادت أن الأمر وقع بالخطأ كما تعهدت برد الشحنة لإيطاليا، وهو ما لم يحدث، ما أدى إلى تولد توترات بين الدولتين.
اقرأ أيضا..
فيما ذهبت ألمانيا أحد أكبر الدول الأوروبية صناعيًا وسياسيًا إلى حجب المساعدات عن أشقائها في الأرض والتحالف، بعدما قررت حظر تصدير مستلزمات الوقاية الطبية للخارج، وأعلنت تدبير هذه المستلزمات على نحو مركزي بالنسبة للعيادات الطبية والمستشفيات والسلطات الاتحادية، بعد رفضها إغاثة تسع دول أوروبية دمر كورونا آمالها الطبية في مواجهة الجائحة، من بينها إيطاليا التي مثلت بؤرة للفيروس في القارة العجوز إلى جانب اسبانيا.
فيما تمكنت اسبانيا من الحصول التبرعات الطبية المرسلة إليها، بعدما أعاقت تركيا جهودها في الحصول على تلك التجهيزات التي تضم المئات من أجهزة التنفس التي تكفي لإغاثة ثلاثة أقاليم إسبانية.
الصين تغتنم تأثيرات كورونا لدخول أوروبا
وفي محاولة منها إلى اغتنام العديد من المكاسب السياسية في ظل جائحة كورونا التي عصفت بكبرى الدول الأوروبية لتتركها هشة في أمس الحاجة إلى المساعدات الخارجية، أعلنت الصين عزمها على تزويد الاتحاد الأوروبي بأكثر من 300 مليون كمامة طبية، وأجهزة تنفس، ومواد وقائية، في أزمة يصعب جدًا على دول الاتحاد الأوروبي أن تقدم دعماً لدول أخرى، كون الأزمة تعد (وفقا لآراء العديد من المحللين السياسيين) أكبر بكثير من حجم الاتحاد تقنياً واقتصادياً، وأن جميع الدول تعاني من نقص حاد على المستوى الصحي، ويتجلى ذلك في تقبيل الرئيس الصربي للعلم الصيني بعد تقديم الأخيرة لمساعدات طبية لدولته، كما أقبل مواطن إيطالي على إنزال علم الاتحاد الأوروبي ورفع علم الصين بدلاً منه.
أوروبا التي تمكنت _ إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية_ من القضاء على الاتحاد السوفيتي، عادت مرة أخرى المدرعات الروسية لتجوب شوارع إيطاليا حاملة المساعدات الطبية، والأطقم المساهمة في معاونة نظيرتها في مستشفيات روما، وتكرر المشهد بوصول الأطباء الكوبين _ تفرض أمريكا على كوبا حظر سياسي منذ الحرب الباردة_ إلى إيطاليا ليستقبلهم الأطباء الإيطاليين بالترحيب الهائل.
كورونا يضع البرازيل والولايات المتحدة في مواجهة الصين والهند
ومع وصول جائحة كورونا إلى صدارة الأخبار العالمية، بزغ صراع أمريكي صيني، خاصة بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عن تجميد تمويل منظمة الصحة العالمية بزعم "انحيازها للصين"، كما لم تسلم الهند من انتقادات الرئيس الأمريكي بسبب قرار حظر تصدير عقار لعلاج الملاريا تجري اختبارات لاستخدامه في علاج مصابي فيروس كورنا، وصل إلى حد التهديد برد انتقامي، في حال استمرارها في حظر تصدير العقار.
اقرأ أيضا..
وبالنظر إلى البرازيل التي دخل عدد من الدبلوماسيين بها في نزاع مع نظرائهم الصينين على مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي وصل إلى حد التلاسن بين أعضاء في الدائرة المقربة من الرئيس البرازيلي، ودبلوماسيين صينين، أخرها تغريدة لوزير التعليم البرازيلي، أزعجت المسؤولين الصينيين، لتصفها السفارة الصينية في برازيليا قائلة: " إن مثل هذه التغيرات سخيفة، وبها لهجة عنصرية قوية".
كورونا يراوغ الحلم العربي بالوحدة
وكغيرها من دول العالم شهدت المنطقة العربية نزاعات سببها فيروس كورونا أبرزها نزاع بي مصر وقطر حول مصير عمالة مصرية عالقة في قطر، لبحث كيفية إعادتهم إلى موطنهم في ظل تجميد للعلاقات الدبلوماسية بين البلدين، منذ عام 2017، فيما لم تقدم الجماعة العربية أي مبادرات أو حلول يمكن الرجوع إليها لمواجهة أزمة فيروس كورونا، ما يجعلها مكتوفة الأيدي كغيرها من المنظمات الدولية الأخرى، في حين ذهبت غالبية الدول العربية للبحث عن ترسيخ علاقاتها الخارجية مع الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا في ظل تداعيات جائحة كورونا، ليستمر الحلم الذي تتوارثه العديد من الأجيال العربية بهدف قيام وحدة عربية يمكنها الوقوف على رأس دول العالم.
اقرأ أيضا..
تعليقات
إرسال تعليق